قبل أن يبدأ موسم مولاي عبد الله… أي استقبال نريده للمصطافين؟

نادية عسوي
قبل أيام قليلة، تناقلت وكالات الأنباء خبرًا طريفًا لكنه بليغ الدلالة: كوبنهاكن، العاصمة الدنماركية التي تعدّ واحدة من أنظف مدن العالم وأكثرها وعيًا بيئيًا، أطلقت خلال موسمها السياحي مبادرة ذكية لتشجيع السلوك البيئي لدى السياح.
قدمت مقاهي المدينة عروضًا بوجبات مجانية لكل من يجمع النفايات من الشوارع والشواطئ، وأطلقت برامج تحفيزية للسياح الذين اختاروا الوصول إليها بالقطار احترامًا للمناخ وتقليلًا لانبعاثات الكربون.
هكذا ببساطة، جعلت كوبنهاكن من زائرها شريكًا في نظافة مدينتها وصورتها البيئية، وأرسلت للعالم درسًا في كيف تصير السياحة مسؤولية متقاسمة وليست مجرد تجارة موسمية.
في المقابل، وبينما نترقب موسم مولاي عبد الله الشهير، ونتأهب لتوافد آلاف المصطافين على جماعة مولاي عبد الله وشاطئ سيدي بوزيد، يعود إلى الواجهة سؤال قديم متجدد:
هل أعدت جماعة مولاي عبد الله العدة فعلًا لاستقبال هذه الأعداد الغفيرة من الزوار في ظروف تحفظ كرامتهم وتليق بصورة المنطقة، أم أننا سنشهد مرة أخرى نفس المشهد الفوضوي الذي يختزل السياحة في خيام عشوائية وأكوام نفايات؟
يكاد المشهد يتكرر كل صيف حتى صار مألوفًا حدّ الألم:
أراضٍ خلاء غير مجهزة تتحول بين عشية وضحاها إلى فضاءات تخييم عشوائية، تُنصب فيها مئات الخيام المتهالكة فوق حجارة وأتربة، دون أي تسوية مسبقة للأرض، ولا مسالك واضحة، ولا مراحيض نظيفة كافية، ولا نقاط ماء مُوزّعة تضمن صحة الزوار.
من بعيد، تبدو تلك الخيام المتراكبة كأنها مشهد من مخيم للنازحين فارين من حرب أهلية.
أغطية مشدودة على عجل بحبال بالية، خيام متلاصقة تكاد تسمع من بينها أنفاس الناس تختلط في الليل، براميل مياه مكشوفة تحت شمس حارقة، وأطفال يتراكضون حفاة في أزقة ترابية مليئة بالحجارة والحفر.
قد يظن الناظر لأول وهلة أن هؤلاء يهربون من جحيم القنابل، لا أنهم جاؤوا للاستجمام على شاطئ مغربي يُفترض أن يكون واجهة للترفيه والفرح الصيفي.
هذا كله يحدث رغم أن موسم مولاي عبد الله ليس حدثًا طارئًا، بل مناسبة معروفة تستعد لها فرق الفانتازيا والتجار والباعة الموسميون منذ شهور.
ومع ذلك، تغيب مظاهر التخطيط الحضري المحترم:
لا مراحيض مؤقتة تليق بالناس وتحميهم من قضاء الحاجة في الخلاء، ولا شبكة ماء مرنة، ولا إنارة تقي الزائرين رعب الليل والكلاب الضالة ولسعات العقارب.
أما النفايات، فكثيرًا ما تترك لتتكوم في زوايا المخيمات، في غياب حاويات كافية، أو حتى حملات تنظيف مستمرة طوال الموسم.
ويضاف إلى ذلك غياب أي برنامج توعوي أو تحفيزي مثلما فعلت كوبنهاكن، يشجع الزوار على جمع قمامتهم أو احترام الفضاء المشترك.
نحن اليوم في منتصف يوليوز. لا يزال أمام جماعة مولاي عبد الله فرصة لتدارك الأمر.
بإمكانها أن تسوي الأرضيات حيث ستقام الخيام، وتنصب مراحيض صحية كافية، وتضع حاويات نفايات موزعة بذكاء، وتبرمج حملات تحسيسية قبل بدء الموسم، حتى لو كانت عبر ملصقات أو مكبرات صوت أو صفحات التواصل الاجتماعي.
فالسياحة ليست مجرد تكديس الناس وخيامهم، ولا أرقامًا عن عدد الزوار والمداخيل.
هي واجهة حضارية، وتجربة إنسانية تبدأ من البنية التحتية وتنتهي بذكريات طيبة يحملها الزائر معه حين يغادر، فيتمنى العودة في العام المقبل لا أن يفرّ بجلده إلى شواطئ ومدن أخرى.
وحتى لا يتحول الموسم إلى ذكرى فوضى
ربما لا نملك إمكانيات كوبنهاكن، لكننا نملك إرادة التنظيم واحترام الناس.
والاختبار الحقيقي في موسم مولاي عبد الله لن يكون في حجم الفروسية ولا صدى الطبول ولا عدد الزوار، بل في الطريقة التي نستقبلهم بها، ونحميهم بها، ونحفظ لهم آدمية التخييم والاستجمام.
لعلنا نكسب بذلك شيئًا أهم من أرباح موسم قصير:
نكسب ثقة الناس في هذه الأرض، وصورة جميلة لمنطقتنا تبقى في الذاكرة أطول من كل فروسية وكل سوق.





